الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
اعلم أنّ غدوة وبكرة جعلت كلَّ واحدة منهما اسماً للحين كما جعلوا أمَّ حبينٍ اسماً للدّابةّ معرفة. فمثل ذلك قول العرب: هذا يوم اثنين مباركاً فيه وأتيتك يوم اثنين مباركاً فيه. جعل اثنين اسماً له معرفة كما تجعله اسماً لرجل. وزعم يونس عن أبي عمرو وهو قوله أيضاً وهو القياس انكَّ إذا قلت: لقيته العام الأوّل أو يوماً من الأيام ثم قلت: غدوة أو بكرة وأنت تريد المعرفة لم تنون وكذلك إذا لم تذكر العام الأول ولم تذكر إلاَّ المعرفة ولم تقل يوماً من الأيّام كأنك قلت: هذا الحين في جميع هذه الأشياء. فإذا جعلتها اسماً لهذا المعنى لم تنوّن. وكلك تقول العرب. فإمّا ضحوة وعشية فلا يكونان إلاَّ نكرة على كلّ حال وهما كقولك: آتيك غذاً وصباحاً ومساءً. وقد تقول: أتيتك ضحوةً وعشيةً فيعلم أنكَّ تريد عشيّة يومك وصحوته كما تقول: عاماً أوّل فيعلم أنك تريد العام الذي يليه عامك. وزعم الخليل أنّه يجوز أن تقول: آتيتك اليوم غدوةً وبكرةً تجعلها بمنزلة ضحوةٍ. وزعم أبو الخطَّاب أنهَّ سمع من يوثق به من العرب يقول: آتيك بكرةً وهو يريد الإتيان في يومه أو في غده. ومثل ذلك قول الله عزّ وجلّ: " ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياَّ ". هذا قول الخليل. وأمَّا سحر إذا كان ظرفا فإنَّ ترك الصرف فيه قد بيّنته لك فيما مضى. وإذا قلت: مذ السَّحر أو عند السَّحر الأعلى لم يكن إلاّ بالألف واللام. فهذه حاله لا يكون معرفةً إلاّ بهما. ويكون نكرةً إّلا في الموضع الذي عدل فيه. وأمّا عشيّةٌ فإنَّ بعض العرب يدع فيه التنوين كما ترك في غدوة. إذا لقَّبت مفرداً بمفرد أضفته إلى الألقاب وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل وذلك قولك : هذا سعيد كرزٍ وهذا قيس قفَّة قد جاء وهذا زيد بطَّةً فإنّما جعلت قفَّة معرفةً لأنَّك أردت المعرفة التي أردتها إذا قلت: هذا قيسٌ. فلو نوّنت قفًّة. صار الاسم نكرةً لأن المضاف إنَّما يكون نكرة ومعرفة بالمضاف إليه فيصير قفةّ هاهنا كأنها كانت معرفة قبل ذلك ثم أضفت إليها. ونظير ذلك انه ليس عربيٌّ يقول: هذه شمس فيجعلها معرفة إلاّ أن يدخل فيها ألفاً ولاماً. فإذا قال: عبد شمس صارت معرفة لأنه أراد شيئاً بعينه ولا يستقيم أن يكون ما أضفت إليه نكرةً. فإذا لقَّبت المفرّد بمضاف والمضاف بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل. وذلك قولك: هذا زيدٌ وزن سبعةٍ وهذا عبد الله بطَّة يا فتى وكذلك إن لقبّت المضاف بالمضاف. وإنمَّا جاء هذا مفترقاً هو والأوّل لأنَّ أصل التسمية والذي وقع عليه الأسماء أن يكون للرجل اسمان: أحدهما مضاف والآخر مفرد أو مضاف ويكون أحدهما وصفاً للآخر وذلك الاسم والكنية وهو قولك: زيدٌ أبو عمروٍ وأبو عمرٍو زيدٌ فهذا أصل التسمية وحدُّها. وليس من أصل التسمية عندهم أن يكون للرجل اسمان مفردان فإنما أجروا الألقاب على أصل التسمية فأرادوا أن يجعلوا اللفَّظ بالألقاب إذا كانت أسماءًٍ على أصل تسميتهم ولا يجاوزوا ذلك باب الشيئين الَّلذين ضمّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد كعيضموزٍ وعنتريس وذلك نحو: حضرموت وبعلبك. ومن العرب من يضيف بعل إلى بكٍّ كما اختلفوا في رام هرمز فجعله بعضهم اسماً واحداً وأضاف بعضهم رام إلى هرمز. وكذلك مار سرجس وقال بعضهم: مار سرجس لا قتالا وبعضهم يقول في بيت جرير: لقيّم بالجزيرة خيل قيسٍ فقلتمّ مار سرجس لا قتالا وأمّا معد يكرب ففيه لغات: منهم من يقول: معد يكربٍ فيضيف ومنهم من يقول: معد يكرب فيضيف ولا يصرف يجعل كرب اسماً مؤنثّا ومنهم من يقول: معد يكرب فيجعله اسماً واحداً فقلت ليونس: هلاّ صرفوه إذ جعلوه اسماً واحداً وهو عربيّ فقال: ليس شيءٌ يجتمع من شيئين فيجعل اسماً سميِّ به واحدٌ إلاّ لم يصرف. وإنمّا استثقلوا صرف هذا لأنَّه ليس أصل بناء الأسماء. يدلّك على هذا قلّته في كلامهم في الشيء الذي يلزم كلَّ من كان من أمتّه ما لزمه فلمّا لم يكن هذا البناء أصلاً ولا متمكنِّا كرهوا أن يجعلوه بمنزلة المتمكّن الجاري على الأصل فتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجميّ. وهو مصروف في النكرة كما تركوا صرف إبراهيم وإسماعيل لأنهما لم يجيئا على مثال ما لا يصرف في النكرة كأحمر وليس بمثال يخرج إليه الواحد للجميع نحو: مساجد ومفاتيح وليس بزيارة لحقت لمعنًى كألف حبلي وإنمَّا هي كلمة كهاء التأنيث فثقلت في المعرفة إذ لم يكن اصل بناء الواحد لأنَّ المعرفة أثقل من النكرة. كما تركوا صرف الهاء في المعرفة وصرفوها في النكرة لما ذكرت بك فإنما معد يكرب واحدٌ كطلحة وإنما بني ليلحق بالواحد الأوّل المتمكن فثقل في المعرفة لما ذكرت بك ولم يحتمل ترك الصرف في النكرة. وأمّا خمسة عشر وأخواتها وحادى عشر وأخواتها فهما شيئان جعلا شيئاً واحداً. وإنمَّا أصل خمسة عشر: خمسةٌ وعشرةٌ ولكنهم جعلوه بمنزلة حرف واحد. وأصل حادى عشر أن يكون مضافاً كثالث ثلاثة فلمَّا خولف به عن حال أخواته مما يكون للعدد خولف به وجعل كأولاء إذ كان موافقاً له في أنهَّ مبهم يقع على كل شيء. فلمَّا اجتمع فيه هذان أجرى مجراه وجعل كغير المتمكّن. والنون لا تدخله كما تدخل غاقٍ لأنَّها محالفة لها ولضربها في البناء فلم يكونوا لينوّنوا لأنهَّا زائدة ضمّت إلى الأوّل فلم يجمعوا عليه هذا والتنوين. ونحو هذا في كلامهم: حيص بيص مفتوحة لأنهَّا ليست متمكِّنة. قد كنت خرّاجا ولوجاً صيرفاً لم تلتحصني حيص بيص لحاص واعلم أنَّ العرب تدع خمسة عشر في الإضافة والألف واللام على حال واحدة كما تقول: اضرب أيهُّم أفضل وكالآن وذلك لكثرتها في الكلام وأنهَّا نكرة فلا تغيَّر. ومن العرب من يقول: خمسة عشرك وهي لغة رديئة. ومثل ذلك: الخازباز وهو عند بعض العرب: ذبابٌ يكون في الرَّوض وهو عند بعضهم: الداء جعلوا لفظه كلفظ نظائره في البناء وجعلوا آخره كسراً كجير وغاق لأنَّ نظائره في الكلام التي لم تقع علامات إنما جاءت متحرّكة بغير جرٍ ولا نصب ولا رفع فألحقوه بما بناؤه كبنائه كما جعلوا حيث في بعض اللغات كأين وكذلك حينئذ في بعض اللغات لأنَّه مضاف إلى غير متمكّن وليس كأين في كلّ شيء. كما جعلوا الآن كأين وليس مثله في كلّ شيء ولكنه يضارعه في أنه ظرف ولكثرته في الكلام كما يضارع حينئذ أين في أنه أضيف إلى اسم غير متمكّن. فكذلك صار هذا: ضارع خمسة عشر في البناء وأنهَّ غير علم. ومن العرب من يقول: الخربار ويجعله بمنزلة سربال. قال الشاعر: مثل الكلاب تهرَّ عند درابها ** ورمت لهازمها من الخرباز وأما صهيل التي للأمر فمن شيئين يدلك على ذلك حي على الصلاة وزعم أبو الحطَّاب: أنهَّ سمع من يقول: حي هل الصلاة. والدَّليل على أنهما جعلا اسماً واحداص قول الشاعر: وهيَّج الحيَّ من دارٍ فظلَّ ** لهم يومٌ كثيرٌ تناديه وحيَّهله والمواقي مرفوعة. وأنشدناه هكذا أعرابيٌّ من أفصح الناس وزعم أنه شعر أبيه. وقد قال بعضهم: الخازباء جعلها بمنزلة: القاصعاء والنافقاء. وجميع هذا إذا صار شيءٌ منه علما أعرب وغيِّر وجعل كحضرموت كما غيرّت أولاد واذ ومن والأصوات ولو ونحوها حين كنَّ علامات. قال الشاعر وهو الجعدي: بحيهَّلا يزجون كلَّ مطيّةٍ ** أمام المطايا سيرها المتقاذف وقال بعضهم: وجنَّ الخازباز به جنونا ومن العرب من يقول: هو الخازباز والخازباز وخازبازٍ فيجعلها كحضرموتٍ. ومن العرب من يقول: حيهَّلا ومن العرب من يقول: حهيَّل إذا وصل وإذا وقف أثبت الألف. ومنهم من لا يثبت الألف في الموقف والوصل. وأمّا عمرويه فإنهَّ زعم أنه أعجميٌّ وأنه ضربٌ من الأسماء الأعجمية وألزموا آخره شيئاً لم يلزم الأعجمّية فكما تركوا صرف الأعجميّة جعلوا ذا بمنزلة الصوَّت لأنهمَّ رأوه قد جمع أمرين فحطّوه درجةً عن إسماعيل وأشباهه وجعلوه في النكرة بمنزلة غاقٍ منوّنةً مكسورة في كلِّ موضع. وزعم الخليل: أن اللذين يقولون: غاق غاق وعاء وحاء فلا ينّوّنون فيها ولا في أشباهها أنهّا معرفة وكأَّنك قلت في عاء وحاء الإتباع وكأنه قال: قال الغراب هذا النحو. وأنَّ الذين قالوا: عاء وحاء وغاقٍ جعلوها نكرة. وزعم الخليل: أن الذين قالوا: صهٍ ذاك أرادوا النكرة كأنهم قالوا: سكوتاً: إيهٍ وإيهاً وويهٍ وويهاً إذا وقفت قلت: ويهاً ولا يقول: إيهٍ في الوقف. وإيهاً وأخواته نكرةٌ عندهم وهو صوتٌ. وعمرويه عندهم بمنزلة حضرموت في أنهَّ ضمّ الآخر إلى الأوّل. وعمرويه في المعرفة مكسورة في حال الجرّ والرفع والنصب غير منوَّن. وفي النكرة تقول: هذا عمرويهٍ آخر ورأيت عمرويهٍ آخر. وسألت الخليل عن قوله: فداءٍ لك فقال: بمنزلة أمس لأنهَّا كثرت في كلامهم والجرُّ كان أخفَّ عليهم من الرفع إذ أكثروا استعمالهم إيَّاه وشبّهوه بأمس ونوّن لأنهّ نكرة. فمن كلامهم أن يشبِّهوا الشيء بالشيء وإن كان ليس مثله في جميع الأشياء. وأمّا يوم يومٍ وصباح مساءٍ وبيت بيتٍ وبين بينٍ فإنَّ العرب تختلف في ذلك: يجعله بعضهم بمنزلة اسمٍ واحد وبعضهم يضيف الأوّل إلى الآخر ولا يجعله اسماً واحداً. ولا يجعلون شيئاً من هذه الأسماء بمنزلة اسمٍ واحد إلاّ في حال الظرف أو الحال كما يجعلوا: يا ابن عمَّ ويا ابن أمَّ بمنزلة شيء واحدٍ إلاّ في حال النداء. والآخر من هذه الأسماء في موضع جرّ وجعل لفظه كلفظ الواحد وهما اسمان أحدهما مضاف إلى الآخر. وزعم يونس وهو رأيه أنَّ أبا عمرٍو كان يجعل لفظه كلفظ الواحد إذا كان شيءٌ منه ظرفاً أو حالا. وقال الفرزدق: ولولا يوم يومٍ ما أردنا جزاءك والقروض لها جزاء فالأصل في هذا والقياس الإضافة. فإذا سميّت بشيء من هذا رجلاً أضفت كما أنَّك لو سميتّه ابن عمّ لم يكن إلاّ على القياس. وتقول: أنت تأتينا في كلّ صباح مساءٍ ليس إلاَّ. وجعل لفظهنَّ في ذلك الموضع كلفظ خمسة عشر ولم يبن ذلك البناء في غير هذا الموضع. وهذا قول جميع من نثق بعلمه وروايته عن العرب. ولا أعلمه إلاّ قول الخليل. وزعم يونس: أن كفّة كفّةٍ كذلك تقول: لقيته كفّة كفّةٍ وكفّة كفّة. والدليل على أنَّ الآخر مجرور ليس كعشر من خمسة أنَّ يونس زعم أن رؤية كان يقول: لقيته كفّةً عن كفّةٍ يا فتى. وإنمَّا جعل هذا هكذا في الظرف والحال لأنَّ حد الكلام وأصله أن يكون ظرفاً أو حالا. وأمَّا أيادي سبا وقالي قلا وبادي بدا فإنمّا هي بمنزلة: خمسة عشر. تقول: جاءوا أيادي سبا. ومن العرب من يجعله مضافا فينوّن سباً. قال الشاعر وهو ذو الرمّة: فيالك من دارٍ تحمَّل أهلها أيادي ** سباً بعدي وطال احتيالها فينوّن ويجعله مضافاً كمعد يكربٍ. وأما قوله: كان ذلك بادي بدا فإنهَّم جعلوها بمنزلة: خمسة عشر. ولا نعلمهم أضافوا ولا يستنكر أن تضيفها ولكن لم أسمعه من العرب. ومن العرب من يقول: بادي بدي. قال أبو نخيلة: وقد علتني ذرأة بادي بدى ** ورثية تنهض في تشددي ومثل أيادي سبا وبادى بدا قوله: ذهب شغر بغر. ولا بدّ من أن يحرِّكوا آخره كما ألزموا التحريك الهاء في ذيَّة ونحوها لشبه الهاء بالشيء الذي ضم إلى الشيء. وأما قالي قلا فمنزلة حضرموت. قال الشاعر: سيصبح فوقي أقتم الريش واقعاً ** بقالي قلا أومن وراء دبيل وسألت الخليل عن الياءات لم لم تنصب في موضع النصب إذا كان الأول مضافاً وذلك قولك: رأيت معد يكرب واحتملوا أيادي سبا فقال: شبَّهوا هذه الياءات بألف مثنى حيث عرَّوها من الرفع والجر فكما عرّوا الألف منهما عرَّوها من النصب أيضاً فقالت الشعراء حيث اضطرّوا وهو رؤية: سوَّي مساحيهنَّ تقطيط الحقق وقال بعض السّعدييِّن: يا دار هند عفت إلاَّ أثافيها وإنما اختصّت هذه الياءات في هذا الموضع بذا لأنهم يجعلون الشيئين ههنا اسماً واحداً فتكون الياء غير حرف الإعراب فيسكنونها ويشبِّهونها بياء زائدة ساكنة نحو ياء دردبيس ومفاتيح. ولم يحركوها كتحريك الراء في شغر لاعتلالها كما لم تحرك قبل الإضافة وحركت نظائرها من غير الياءات لأن للياء والواو حالاً ستراها إن شاء الله فألزموها الإسكان في الإضافة ههنا إذ كانت قد تسكن فيما لا يكون وما بعده بمنزلة اسم واحد في الشعر. ومثل ذلك قول العرب: لا أفعل ذاك حيرى دهر. وقد زعموا أن بعضهم ينصب الياء ومنهم من يثقل الياء أيضاً. وأما اثنا عشر فزعم الخليل أنه لا يغير عن حاله قبل التسمية وليس بمنزلة خمسة عشر وذلك أن الإعراب يقع على الصدر فيصير اثنا في الرفع واثنى في النصب والجر وعشر بمنزلة النون ولايجوز فيها الإضافة. كما لا يجوز في مسلمين ولا تحذف عشر مخافة أن يلتبس بالاثنين فيكون علم العدد قد ذهب. فإن صار اسم رجل فأضفت حذفت عشر لأنك لست تريد العدد وليس بموضع التباس لأنك لا تريد أن تفرق بين عددين فإنما هو بمنزلة زيدين. وأما أخول أخول فلا يخلو من أن يكون كشغر بغر وكيوم يوم. التي الياءات والواوات منهن لامات اعلم أن كل شيء كانت لامه ياءً أو واواً ثم كان قبل الياء والواو حرف مكسور أو مضموم فإنها تعتلُّ وتحذف في حال التنوين واواً كانت أو ياء وتلزمها كسرة قبلها أبداً ويصير اللفظ بما واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على الصفة فإنّه ينصرف في حال الجر والرفع. وذلَّك أنَّهم حذفوا الياء فخفّ عليهم فصار التنوين عوضاً. وإذا كان شيء منها في حال النصب نظرت: فإن كان نظيره من غير المعتلّة مصروفاً صرفته وإن كان غير مصروف لم تصرفه لأنَّك تتم في حال النصب كما تتم غير بنات الياء والواو. وإذا كانت الياء زائدة وكانت حرف الإعراب وكان الحرف الذي قبلها كسراً فإنّها بمنزلة الياء التي من نفس الحرف إذ كانت حرف الإعراب. وكذلك الواو تبدل كسرة إذا كان قبلها حرف مضموم وكانت حرف الإعراب وهي زائدة: تصير بمنزلتها إذا كانت من نفس الحرف وهي حرف الإعراب. فمن الياءات والووات اللواتي ما قبلها مكسور قولك: هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذه مغاز وهؤلاء جوارٍ. وما كان ما منهن ما قبله مضموم فقولك: هذه أدلٍ وأظبٍ ونحو ذلك. هذا ما كانت الياء فيه و الواو من نفس الحرف. وأمّا ما كانت الياء فيه زائدة وكان الحرف قبلها مكسوراً فقولك: هذه ثمانً وهذه صحار ونحو ذلك. وأما ما كانت الواو فيه زائدة وكان الحرف قبلها مضموماً فقولك: هذه عرق كما ترى إذا حتَّى تقضّى عرقى الدلىِّ وجميع هذا في حال النصب بمنزلة غير المعتل. ولو سميت رجلا بقيل فيمن ضم القاف كسرتها اسما حتى تكون كبيضٍ. واعلم أنَّ كلّ ياء أو واو كانت لاماً وكان الحرف قبلها مفتوحاً فإنَّها مقصورة تبدل مكانها الألف ولا تحذف في الوقف وحالها في التنين وترك التنوين بمنزلة ما كان غير معتّل إلاَّ أنَّ الألف تحذف لسكون التنوين ويتمُّون الأسماء في الوقف. وإن كانت الألف زائدة فقد فسرنا أمرها. وإن جاءت في جميع ما لا ينصرف فهي غير منونة كما لا ينوّن غير المعتلّ لأنَّ الاسم متمٌّ. وذلك قولك: عذارى وصحارى فهي الآن بمنزلة مدارى ومعايا لأنها مفاعل وقد أتم وقلبت ألفا. وإن كانت الياء والواو قبلها حرف ساكن وكانت حرف الإعراب فهي بمنزلة غير المقتل وذلك نحو قولك ظبي ودلو وسألت الخليل عن رجل يسمى بقاض فقال هو بمنزلة قبل أن يكون إسماً في الوقف والوصل وجميع الأشياء كما أن مثنى ومعلى إذا كان إسماً فهو إذا كانت نكرة ولا يتغيّر هذا عن حال كان عليها قبل أن يكون اسماً كما لم يتغيَّر معلَّى وكذلك عم. وكلّ شيء وسألت الخليل عن رجل يسمى بجوار فقال: هو في حال الجرّ والرفع بمنزلته قبل أن يكون اسماً. ولو كان من شأنهم أن يدعوا صرفه في المعرفة لتركوا صرفه قبل أن يكون معرفة لأنَّه ليس شيء من الانصراف بأبعد من مفاعل فلو امتنع من الانصراف في شيء لامتنع إذا كان مفاعل وفواعل ونحو ذلك. قلت: فإن جعلته اسم امرأة قال: أصرفها لأن هذا التنوين جعل عوضاً فيثبت إذا كان عوضاً كما ثبتت التنوينة في أذرعات إذ صارت كنون مسلمين. وسألته عن قاضٍ اسم امرأة فقال: مصروفة في حال الرفع والجرّ تصير ههنا بمنزلتها إذ كانت في مفاعل وفواعل. وكذلك أدل اسم رجل عنده لأنَّ العرب اختارت في هذا حذف الياء إذا كانت في موضع غير تنوين في الجرّ والرفع وكانت فيما لا ينصرف وان يجعلوا التنوين عوضاً من الياء ويحذفوها. وسألته عن رجل يسمَّى أعمى فقلت: كيف تصنع به إذا حقّرته فقال: أقول: أعيم أصنع به ما صنعت به قبل أن يكون اسماً لرجل لأنَّه لو كان يمتنع من التنوين ههنا لامتنع منه في ذلك الموضع قبل أن يكون اسماً لرجل كما أنَّ أحيمر وهو اسم لرجل وغير اسم سواء. ومن أبى هذا فخذه بقاضٍ اسم امرأة فإن لم يصرفه فخذه بجوار فجوار فواعل وفواعل أبعد من الصرف من فاعل معرفةً وهو اسم امرأة لأنَّ ذا قد ينصرف في المذكّر وفواعل لا يتغيّر على حال وفاعل بناء ينصرف في الكلام معرفةً ونكرةً وفواعل بناء لا ينصرف. فاشد أحوال قاضٍ اسم امرأة أن يكون بمنزلة هذا المثال الذي لا ينصرف البتَّة في النكرة. فإن كانت هذه يعني قاض لا تنصرف ههنا لم تنصرف إذا كانت في فواعل. فإن صرف فجوار قبل أن يكون اسماً بمنزلة قاضٍ اسم امرأة. وسألته عن رجل يسمَّى برمي أو أرمي فقال: أنوِّنه لأنَّه إذا صار اسماً فهو بمنزلة قاضٍ إذا كان اسم امرأة. وسألت الخليل فقلت: كيف تقول مررت بأفيعل منك من قوله مررت بأعيمى منك فقال: مررت بأعيم منك لأنَّ ذا موضع تنوين. ألا ترى بأنك تقول: مررت بخير منك وليس أفعل منك بأثقل من افعل صفة. وأمّا يونس فكان ينظر إلى كلّ شيء من هذا إذا كان معرفة كيف حال نظيره من غير المعتل معرفة فإذا كان لا ينصرف لم ينصرف يقول: هذا جواري قد جاء ومررت بجواري قبل. وقال الخليل: هذا خطأ لو كان من شأنهم أن يقولوا هذا في موضع الجرّ لكانوا خلقاء أن يلزموا الرفع والجرّ إذ صار عندهم بمنزلة غير المعتلّ في موضع الجرّ ولكانوا خلقاء أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ فيقولوا: مررت بجواري قبل لأنَّ ترك التنوين في ذا الاسم في ويقول يونس للمرأة تسمَّى بقاضٍ: مررت بقاضي قبل ومررت بأعيمى منك. فقال الخليل: لو قالوا هذا لكانوا خلقاء أن يلزموها الجرّ والرفع كما قالوا حين اضطروا في الشعر فأجروه على الأصل قال الشاعر الهذلىّ: أبيت على معاري واضحات ** بهنّ ملوَّب كدم العباط وقال الفرزدق: فلو كان عبد الله مولى هجوته ولكنّ عبد الله مولى مواليا فلمَّا اضطرُّوا إلى ذلك في موضع لا بدَّ لهم فيه من الحركة أخرجوه على الأصل. قال الشاعر ابن قيس الرقيّات: لا بارك الله في الغواني ** هل يصبحن إلا لهنَّ مطَّلب وقال: وأنشدني أعرابي من بني كليب لجرير: فيوماً يوافيني الهوى غير ماضىٍ ** ويوماً ترى منهن غولاً تغوَّل قال: ألا تراهم كيف جرُّوا حين اضطرُّوا كما نصبوا الأوّل حين اضطرُّوا. وهذا الجرّ نظير النصب. فإن قلت: مررت بقاضي قبل اسم امرأة كان ينبغي لها أن تجرَّ في الإضافة فتقول: مررت وسألناه عن بيت أنشدناه يونس: قد عجبت منيِّ ومن يعيليا لمَّا رأتني خلقاً مقلوليا فقال: هذا بمنزلة قوله: ولكنَّ عبد الله مولى مواليا وكما قال: سماء الإله فوق سبع سمائيا فجاء به على الأصل وكما أنشدناه من نثق بعربيَّته: ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بي زياد فجعله حين اضطرّ مجروماً من الأصل. وقال الكميت: خريع دوادي في ملعب تأزَّر ** طوَّراً وتلقى الإزارا اضطرّ فأخرجه كما قال: ضنينوا وسألته عن رجل يسمّى يغزو فقال: رأيت يغزى قبل وهذا يغز وهذا يغزى زيد وقال: لا ينبغي له أن يكون في قول يونس إلا يغزى وثبات الواو خطأ لأنه ليس في الأسماء واو قبلها حرف مضموم وإنما هذا بناء اختصَّ به الأفعال ألا ترى أنَّك تقول: سرو الرجل ولا ترى في الأسماء فعل على هذا البناء. ألا ترى أنَّه قال: أنا أدلو حين كان فعلاً ثم قال: أدل حين جعلها اسماً. فلا يستقيم أن يكون الاسم إلا هكذا. فإن قلت: أدعه في المعرفة على حاله وأغيِّره في النكرة. فإن ذلك غير جائز لأنك لم تر اسماً معروفاً أجرى هكذا. قال الشاعر: لا مهل حتَّى تلحقي بعنس ** أهل الريِّاط البيض والقلنسي عنس: قيبلة. ولم يقل القلنسو. ولا يبنون الاسم على بناء إذا بلغ حال التنوين تغيَّر وكان خارجاً من حد الأسماء كما كرهوا أن يكون إي وفي في السكوت وترك التنوين على حالٍ يخرج منه إذا وصل ونوّن فلا يكون على حدّ الأسماء فقرّوا من هذا كما فرُّوا من ذاك. ويكفيك من ذا قولهم: هذه أدلى زيد. فإن قلت: إنما أعرب في النكرة فلم يغيِّر البناء. كذلك أيضاً لا يكون في المعرفة على بناء يتغيَّر في النكرة. وتقول في رجل سمَّيته بارمه: هذا إرم قد جاء وينوّن في قول الخليل وهو القياس. وتقول: رأيت إرمى قبل يبيّن الياء لأنها صارت اسماً وخرجت من موضع الجزم وصارت وإذا سميت رجلا بعه قلت: هذا وعٍ قد جاء صيَّرت آخره كآخر إرمه حين جعلته اسماً. فإذا كان كذلك كان مختلاًّ لأنَّه ليس اسم على مثال عٍ فتصيّره بمنزلة الأسماء وتلحقه حرفاً منه كان ذهب ولا تقول: عيٌّ فتلحقه بالأسماء بشيء ليس منه كما وأنَّك لو حقَّرت شيةً وعدةً لم تلحقه ببناء المحقَّر الذي اصل بنائه على ثلاثة أحرف بشيء ليس منه وتدع ما هو منه وذلك قولك: هذا وعٍ كما ترى. ولو سمَّيت رجلاً لأعدت الهمزة والألف فقلت: هذا إرأً قد جاء وتقديره: إدعى تلحقه بالأسماء بأن تضم إليه ما هو منه كما تقول: وعيدةٌ وشيَّةٌ ولا تقول: عديَّةٌ ولا وشيَّةٌ لأنك لا تدع ما هو منه وتلحق ما ليس منه. ولا يجوز أن تقول: هذا عه كما لم يجز ذلك في آخر إرمه. وإن سمَّيت رجلاً قل أو خف أو بع أو أقم قلت: هذا قول قد جاء وهذا بيع قد جاء وهذا خاف قد جاء وهذا اقيم قد جاء لأنَّك قد حركت آخر حرفٍ وحوَّلت هذا الحرف من المكان وعن ذلك المعنى فإنّما حذقت هذه الحروف في حال الأمر لئَّلا ينجزم حرفان فإذا قلت: قولا أو خافا أو بيعا أو أقيموا أظهرت للتحرك فهو ههنا إذا صار اسماً أجدر أن يظهر. ولو سميت رجلا لم يرد أو لم يخف لوجب عليك أن تحكيه لأنَّ الحرف العامل هو فيه ولو لم تظهر هذه الحروف لقلت: هذا يريد وهذا يخاف. وكذلك لو سمَّيته بتردد من قولك: إن تردد أردد وإن تخف أخف لقلت: هذا يخاف ويرد. ولو لم تقل ذا لم تقل في إرمه إرمي ولتركت الياء محذوفة ولكنما أظهرتها في موضع التحرُّك كما تظهرها إذا قلت: ارميا وهو يرمي. وإذا سمَّيت رجلا باعضض قلت: هذا إعض كما ترى لأنّك إذا حرَّكت اللام من المضاعف أدغمت وليس اسم من المضاعف تظهر عينه ولامه فإذا جعلت إعضض اسماً قطعت الألف كما قطعت ألف إضرب وأدغمت كما تدغم أعضُّ إذا أردت أنا أفعل لأنّ آخره كآخره ولو لم تدغم ذا لما أدغمت إذا سمّيت بيعضض من قولك: إن يعضض أعضض ولا تعضض. وإذا سمّيت رجلاً بألبب من قولك: قد علمت ذاك بنات ألبب تركته على حاله لأنّ هذا اسم جاء على الأصل كما قالوا: رجاء ابن حيوة وكما قالوا: ضيون فجاءوا به على الأصل. وربَّما جاءت العرب بالشيء على الأصل ومجرى بابه في الكلام على غير ذلك. قال الخليل يوماً وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في لك والكاف التي في مالك والباء التي في ضرب فقيل له: نقول: باء الكاف. فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف. وقال: أقول كه وبه. فقلنا: لم ألحقت الهاء فقال: رأيتهم قالوا: عه فألحقوا هاءاً حتى صيروها يستطاع الكلام بها لأنَّه لا يلفظ بحرف. فإن وصلت قلت: ك وب فاعلم يا فتى كما قالوا: ع يا فتى. فهذه طريقة كلِّ حرفٍ كان متحركاً وقد يجوز أن يكون الألف هنا بمنزلة الهاء لقربها منها وشبهها بها فتقول: با وكا كما تقول: أنا. وسمعت من العرب من يقول: ألاتا بلى فا فإنما أرادوا ألا تفعل وبلى فافعل ولكنه قطع كما كان قاطعا بالألف في أنا وشركت الألف الهاء كشركتها في قوله: أنا بيّنَوها بالألف كبيانهم بالهاء في هيه وهنَّه وبغلتيه. قال الراجز: بالخير خيراتٍ وإن شرافا ولا أريد الشرَّ إلا أن تا يريد: إن شرَّا فشرٌّ ولا يريد إلا أن تشاء. ثم قال: كيف تلفظون بالحرف الساكن نحو ياء غلامى وباء إضرب ودال قد فأجابوا بنحو مما أجابوا في المرّة الأولى فقال: أقول إب وإي وإد فألحق ألفا موصولة. قال: كذاك اراهم صنعوا بالساكن ألا تراهم قالوا: ابن واسم حيث اسكنوا الباء والسين وأنت لا تستطيع أن تكلَّم بساكن في أول اسم كما لا تصل إلى اللفظ بهذه السواكن فألحقت ألفاً حتى وصلت اللفظ بها فكذلك تلحق هذه الألفات حتى تصل إلى اللفظ بها كما ألحقت المسكَّن الأول في الاسم. وقال بعضهم: إذا سمَّيت رجلاً بالباء من ضرب قلت: رب فأردُّ العين. فإن جعلت هذه المتحركة اسماً حذفت الهاء كما حذفتها من عه حين جعلتها اسماً فإذا صارت اسماً صارت من بنات الثلاثة لأنَّه ليس في الدنيا اسم أقل عدداً من اسم على ثلاثة أحرف ولكنَّهم قد يحذفون مما كان على ثلاثة حرفاً وهو الأصل له ويردّونه في التحقير والجمع وذلك قولهم في ذمً: دمي وفي حر: حريح وفي شفة: شفيهة وفي عدة: وعيدة. فهذه الحروف إذا صيّرت اسماً صارت عندهم من بنات الثلاثة المحذوفة وصارت من بنات الياء والواو لأنَّا رأينا أكثر بنات الحرفين التي أصلها الثلاثة أو عامّتها من بنات الياء والواو وإنَّما يجعلونها كالأكثر فكأنهم إن كان الحرف مكسوراً ضمّوا إليه ياءً لأنَّه عندهم له في الأصل حرفان كما كان لدم في الأصل حرف فإذا ضممت إليه ياء صار بمنزلة في فتضمّ إليه ياء أخرى تثقلّه بها حتىَّ يصير على مثال الأسماء. وكذلك فعلت بفي. وإن كان الحرف مضموماً ألحقوا واواً ثم ضمّوا إليها واواً أخرى حتَّى يصير على مثال الأسماء كما فعلوا بذلك بلو وهو وأو. فكأنَّهم إذا كان الحرف مضموماً صار عندهم من مضاعف الواو كما صارت لو وأو وهو إذ كانت فيهن الواوات من مضاعف الواو. وإن كان مكسورا فهو عندهم من مضاعف الياء كما كان ما فيه نحو في وكي من مضاعف الياء عندهم وإن كان الحرف مفتوحاً ضمّوا إليه ألفاً ثم ألحقوا ألفاً أخرى حتَّى يكون على مثال الأسماء فكأنَّهم أرادوا أن يضاعفوا الألفات فيما كان مفتوحاً كما ضاعفوا الواوات والياءات فيما مكسوراً أو مضموماً كما صارت ما ولا ونحوهما إذ كانت فيهما ألفات مما يضاعف. فإن جعلت إي اسما ثقلته بياء أخرى واكتفيت بها حتّى يصير بمنزلة اسمٍ وابنٍ. فأما قاف وياء وزاي وباء وواو فإنَّما حكيت بها الحروف ولم ترد أن تلفظ بالحروف كما حكيت بغاقٍ صوت الغراب وبقب وقع السيف وبطيخ الضحك وبنيت كلَّ واحد بناء الأسماء. وقب هو وقع السيف. وقد ثقَّل بعضهم وضمّ ولم يسلّم الصوت كما سمعه فكذلك حين حكيت الحروف حكيتها ببناء للأسماء ولم تسلم الحروف كما لم تسلَّم الصوت. فهذا سبيل هذا الباب. ولو سمّيت رجلاً بأب قلت: هذا إبٌ وتقديره في الوصل: هذا آبٌ كما ترى تريد الباء وألف الوصل من قولك: اضرب. وكذلك كلَُ شىء مثله لا تغيره عن حاله لأنك تقول: إبٌ فيبقى حرفان سوى التنوين. فإذا كان الاسم ههنا في الابتداء هكذا لم يختلّ عندهم أن تذهب ألفه في الوصل وذلك أنَّ الحرف الذي يليه يقوم مقام الألف. ألا تراهم يقولون: من آبٌ فلا يبقى إلا حرف واحد فلا يختل ذا عندهم إذ كان كنونه حرف لا يلزمه في الإبتداء وفي غير هذا الموضع إذا تحرك ما قبل الهمزة في قولك ذهب أب لك وكذلك إب لا يختلُّ أن يكون في الوصل على حرف إذا كان لا يلزمه ذلك في كل المواضع ولولا ذلك لم يجز لأنَّه ليس في الدنيا اسم يكون على حرفين أحدهما التنوين لأنَّه لا يستطاع أن يتكلّم به في الوقف المبتدأ. فإن قلت: يغيَّر في الوقف. فليس في كلامهم أن يغيّروا بناءه في الوقف عمّا كان عليه في الوصل ومن ثمَّ تركوا أن يقولوا هذا في كراهية أن يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين فيوافق ما كان على حرف. وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرّفون بهما حرف واحد كقد وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قوله: أأريد ولكن الألف كألف أيم في أيم الله وهي موصولة كما أن ألف أيم موصولة حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو وهو رأيه. والدليل على أن ألف أيم ألف وصل قولهم: إيم الله ثم يقولون: ليم الله. وفتحوا ألف أيم في الابتداء شبّهوها بألف أحمر لأنَّها زائدة مثلها. وقالوا في الاستفهام: آلرجل شبّهوها أيضاً بألف أحمر كراهية أن يكون كالخبر فيلتبس فهذ 1 قول الخليل. وأيم الله كذلك فقد يشبَّه الشيء وقال الخليل: وممَّا يدل على أنَّ أل مفصولة من ألرَّجل ولم يبن عليها وأنَّ الألف واللام فيها بمنزلة قد قول الشاعر: دع ذا وعجَّل ذا وألحقنا بذل بالشَّحم إنّا قد مللناه بجل قال: هي ههنا كقول الرجل وهو يتذكَّر: قدى فيقول: قد فعل ولا يفعل مثل هذا علمناه بشىء مما كان من الحروف الموصولة. ويقوا الرجل: ألى ثم يتذكّر فقد سمعناهم يقولون ذلك ولولا أنَّ الألف واللام بمنزلة قد وسوف لكانتا بناءً بني عليه الاسم لا يفارقه ولكنَّهما جميعاً بمنزلة هل وقد وسوف تدخلان لتعريف وتخرجان. وإن سمّيت رجلاً بالضاد من ضرب قلت: ضاءٌ وإن سمّيته بها من ضراب قلت: ضىٌّ وإن سميته بها من ضحى قلت: ضوٌّ. وكذلك هذا الباب كله. وهذا قياس قول الخليل ومن خالفه ردّ الحرف الذي يليه. وذلك قول العرب في رجل يسمَّى تأبَّط شراً: هذا تأبَّط شرًّا وقالوا: هذا برق نحره ورأيت برق نحره. فهذا لا يتغيّر عن حاله التي كان عليها قبل أن يكون اسما. إنّ لها مركَّناً إرزبَّا كأنّه جبهة ذرَّى حبّا فهذا كله يترك على حاله. فمن قال: أغيِّر هذا دخل عليه أن يسمَّى الرجل ببيت شعرٍ أو بله درهمان فإنّ غيّره عن حاله فقد ترك قول الناس وقال ما لا يقوله أحد. وقال الشاعر: كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ** بنى شاب قرناها تصرُّ وتحلب وعلى هذا يقول: بدأت بالحمد لله رب العالمين. وقال الشاعر: وجدنا في كتاب بني تميمٍ ** أحقُّ الخيل بالرَّكض المعار وذلك لأنه حكى أحقُّ الخيل بالركض المعار فكذلك هذه الضروب إذا كانت أسماء. وكلُّ شىء عمل بعضه في بعض فهو على هذه الحال. واعلم أن الاسم إذا كان محكياً لم يثن ولم يجمع إلا أن تقول: كلّهم تأبَّط شرَّا وكلاهما ذرَّى حبًّا لم تغيِّره عن حاله قبل أن يكون اسما. ولو تثنيت هذا أو جمعته لثنيت أحقُّ الخيل بالركض المعار إذا رأيته في موضعين. ولا تضيعه إلى شىء إلا أن تقول: هذا تأبَّط شرّاً صاحبك أو مملوكك. ولا تحقّره قبل أن يكون علما. ولو سمّيت رجلا زيد أخوك لم تحقره. فإن قلت: أقول زييد أخوك كما أقول قبل قبل أن يكون اسما. فإنَّك إنَّما حقرت اسما قد ثبت لرجل ليس بحكاية وإنَّما حقّرت اسما على حياله. فإذا جعلا اسماً فليس واحدٌ به من صاحبه ولم يجعل الأوَّل والآخر بمنزلة حضرموت ولكن الاسم الآخر مبنّي على الأول. ولو حقّرتهما جميعاً لم يصيرا حكايةً ولكان الأول اسما تاماً. وإذا جعلت هذا زيدٌ اسم رجل فهو يحتاج في الابتداء وغيره إلى ما يحتاج إليه زيد ويستغني كما يستغني. ولا يرخَّم المحكيُّ أيضاً ولا يضاف بالياء وبذلك لأنَّك لا تقول: هذا زيد أخوكي ولا برق نحر هي وهو يضيف إلى نفسه ولكنَّه يجوز أن يحذف فيقول: تأبَّطي وبرقي فتحذف وتعمل به عملك بالمضاف حتى تصير الإضافة على شيء واحد لا يكون حكايةً لو كان اسماً فمن لم يقل ذا فطوّل له الحديث فإنه يقبح جدّا. وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى خيراً منك أو مأخوذاً بك أو ضارباً رجلا فقال: هو على حاله قبل أن يكون اسما. وذلك أنَّك تقول: رأيت خيراً منك وهذا خيرٌ منك ومررت بخيرٍ منك. قلت: فإن سمّيت بشيء منها امرأة فقال: لا أدع التنوين من قبل أن خيراً ليس منتهى الاسم ولا مأخوذا ولا ضاربا. ألا ترى أنك إذا قلت: ضاربٌ رجلا أو مأخوذٌ بك وأنت تبتدئ الكلام احتجت ههنا إلى الخبر كما احتجت إليه في قولك: زيدٌ وضاربٌ ومنك بمنزلة شئ من الاسم في أنَّه لم يسند إلى مسند وصار كمال الاسم كما أنَّ المضاف إليه منتهى الاسم وكماله. ويدلّك على أنَّ ذا ينبغي له أن يكون منوّنا قولهم: لا خيراً منه لك ولا ضارباً رجلاً لك فإنَّما ذا حكاية لأن خيراً منك كلمة على حدة فلم يحذف التنوين منه في موضع حذف التنوين من غيره لأنَّه بمنزلة شئ من نفس الحرف إذ لم يكن في المنتهى. فعلى هذا المثال تجري هذه الأسماء. وهذا قول الخليل. وإن سمّيت رجلا بعاقلةٍ لبيبةٍ أو عاقلٍ لبيبٍ صرفته وأجريته مجراه قبل أن يكون اسماً. وذلك قولك: رأيت عاقلةً لبيبةً يا هذا ورأيت عاقلاً لبيباً يا هذا. وكذلك في الجرّ والرفع منوَّن لأنه ليس بشىء عمل بعضه في بعض فلا ينوَّن وينوَّن لأنك نونتنه نكرةً وإنَّما حكيت. فإن قلت: ما بالي إن سميته بعاقلة لم أنوِّن فإنك إن أردت حكاية النكرة جاز ولكن َّ الوجه ترك الصرف. والوجه في ذلك الأوّل الحكاية وهو القياس لأنَّهما شيئان ولأنَّهما ليس واحدٌ منهما الاسم دون صاحبه فإنما هي الحكاية وإنما ذا بمنزلة امرأة بعد ضارب إذا قلت هذا ضاربٌ امرأة إذا أردت النكرة وهذا ضاربٌ طلحة إذا أردت المعرفة. وسألت الخليل عن رجلٍ يسمَّى من زيد وعن زيد فقال: أقول: هذا من زيدٍ وعن زيدٍٍ. وقال أغيّره في ذا الموضع وأصيَّره بمنزلة الأسماء كما فعل ذلك به مفرداً يعني عن ومن ولو سمّيته قط لقلت زيدٍ لقلت: هذا قط زيدٍ ومررت بقط زيد حتَّى تكون بمنزلة حسبك لأنَّك قد حوّلته وغيّرته وإنما عمله فيما بعده كعمل الغلام إذا قلت: هذا غلام زيدٍ. ألا ترى أنَّ من زيدٍ لا يكون كلاماً حتَّى يكون معتمدا علة غيره. وكذلك قط زيدٍ كما أنَّ غلام زيدٍ لا يكون كلاما حتَّى يكون معه غيره. ولو حكيته مضافا ولم أغيّره لفعلت به ذلك مقرداً لأني رأيت المضاف لا يكون حكايةً كما لا يكون المفرد حكايةً. ألا ترى أنَّك لو سمّيت رجلا وزن سبعة قلت: هذا وزن سبعة فتجعله بمنزلة طلحة. والدَّليل على ذلك أنَّك لو سمّيت رجلا خمسة عشر زيد لقلت: هذا خمسة عشر زيد تغير كما تغيّر. أمس لأنَّ المضاف من حدّ التسمية. قلت: فإن سمَّيته بفي زيدٍ لا تريد الفم قال: أثقِّله فأقول: هذا فيُّ زيدٍ كما ثقلَّته إذا جعلته اسماً لمؤنّث لا ينصرف. ولا يشبه ذا فاعبد الله لأنّ ذا إنّما احتمل عندهم في الإضافة حيث شبّهوا آخره بآخر أب يعني الفم مضافاً وصار حرف الإعراب غير محرّك فيه إذ كان مفرداً على غير حاله في الإضافة. فأما في فليست هذه حاله وياؤه تحرّك في النصب. وليس شيء يتحرّك حرف إعرابه في الإضافة ويكون على بناءٍ إلا لزمه ذلك في الانفراد. وكرهوا أن يكون على حالٍ إن نوّن كان مختلاّ عندهم. ولو سمّيته طلحة وزيداً أو عبد الله زيداً وناديت نصبت ونونّت الآخر ونصبته لأنّ الأول في موضع نصب وتنوين. واعلم أنّك لا تثَّني هذه الأسماء ولا تحقّرها ولا ترخمّها ولا تضيفها ولا تجمعها. والإضافة إليها كالإضافة إلى تأبَّط شرَّا لأنَّها حكايات. وسألت الخليل عن إنَّما وأنَّما وكأنَّما وحيثما وإمَّا في قولك: إمَّا أن تفعل وإمّا أن لا تفعل فقال: هنّ حكايات لأنَّ ما هذه لم تجعل بمنزلة موت في حضرموت. ألا ترى أنها لم تغيِّر حيث عن أن يكون فيها اللغتان: الضمُّ ولافتح. وإنّما تدخل لمنع أن من النصب ولتدخل حيث في الجزاء فجاءت مغيِّرة ولم تجيء كموت في حضر ولا لغواً. والدَّليل على أن ما مضمومة إلى إن قول الشاعر: لقد كذبتك نفسك فأكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر وإنَّما يريدون إمَّا. وهي بمنزلة ما مع أن في قولك: أمَّا أنت منطلقاً انطلقت معك. وكان يقول: إلاَّ التي للاستثناء بمنزلة دفلى وكذلك حتَّى. وأمّا إلاِّ وإمّا في الجزاء فحكاية. وأما التي في قولك: أمَّا زيد فمنطلق فلا تكون حكايةً وهي بمنزلة شروى. وكان يقول: أمَّا التي في الاستفهام حكاية وألا التي في الاستفهام حكاية. وأمّا قولك: ألا إنّه ظريف وأما إنّه ظريف فبمنزلة قفاً ورحىً ونحو ذلك. ولعلّ حكاية لأنَّ اللام ها هنا زائدة بمنزلتها في لأفعلنّ. ألا ترى أنك تقول: علَّك. وكذلك كأنَّ لأنَّ الكاف دخلت للتشبيه. ومثل ذلك كذا وكأيّ وكذلك: ذلك لأنَّ هذه الكاف لحقت للمخاطبة وكذلك أنت التاء بمنزلة الكاف. وقال: ولو سميت رجلا: هذا أو هؤلاء تركته على حاله لأنِّي إذا تركت هاء التنبيه على حالها فإنما أريد الحكاية فمجراها ها هنا مجراها قبل أن تكون اسماً. وأما هلَّم فزعم أنَّها حكاية في اللغتين جميعاً كأنَّها لمَّ أدخلت عليها الهاء كما أدخلت ها على ذا لأنِّي لم أر فعلاً قط بني على ذا ولا اسماً ولا شيئاً يوضع موضع الفعل وليس من الفعل. وقول بني تميم: هلممن يقوّي ذا كأنَّك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. قال: وكذلك لوما ولولا. وسمعت من العرب من يقول: لا من أين يا فتى حكى ولم يجعلها اسماً. ولو سميّت رجلا بو زيد أو وزيداً أو زيد فلا بدَّ لك من أن تجعله نصباً أو رفعاً أو جرّا تقول: مررت بوزيداً ورأيت وزيداً وهذا زيداً. كذلك الرفع والجرّ لأنَّ هذا لا يكون إلاّ تابعا. وقال: زيد الطَّويل حكاية بمنزلة زيد منطلق وهو اسم امرأة بمنزلته قبل ذلك لأنهما شيئان كعاقلةٍ لبيبةٍ. وهو النداء على الأصل تقول: يا زيد الطويل. وإن جعلت الطوّيل صفةً صرفته بالإعراب وإن دعوته قلت: يا زيداً الطويل. وإن سمّيته زيداً وعمراً أو طلحة عمر لم تغيِّره. ولو سمّيت رجلا أولاء قلت: هذا أولاء. وإذا سمّيت رجلاً: الذي رأيته والذي رأيت لم تغيَّره عن حاله قبل أن يكون اسماً لأن الذي ليس منتهى الاسم وإنَّما منتهى الاسم الوصل فهذا لا يتغيّر عن حاله كما لم يتغّير ضارب أبوه اسم امرأة عن حاله فلا يتغيّر الذي كما لم يتغيّر وصله. ولا يجوز لك أن تناديه كما لا يجوز لك أن تنادي الضارب أبوه إذا كان اسماً لأنَّه بمنزلة اسم واحد فيه الألف واللام. ولو سمّيته الرجل المنطلق جاز أن تناديه فتقول يا الرجل منطلق لأنك سميته بشيئين كلُّ واحد منهما اسم تام. والذي مع صلته بمنزلة اسم واحد نحو الحارث فال يجوز فيه النداء كما لا يجوز فيه قبل أن يكون اسما. وأما الرَّجل منطلق فبمنزلة تأبَّط شرًّا لأنَّه لا يتغير عن حاله لأنه قد عمل بعضه في بعض. ولو سمّيته الرجل والرجلان لم يجز فيه النداء لأنَّ ذا يجري مجراه قبل أن يكون اسما في الجرّ والنصب والرفع. ولا يجوز أن تقول: يا أيُّها الذي رأيت لأنه اسم غالب كما لا يجوز يا أيُّها النَّضر وأنت تريد الاسم الغالب. وإذا ناديته والاسم زيد وعمرو قلت: يا زيداً وعمراً لأنًّ الاسم قد طال ولم يكن الأوّل المنّهى ويشرك الآخر وإنَّما هذا بمنزلته إذا كان اسمه مضافا. وإن ناديته واسمه طلحة وحمزة نصبت بغير تنوين كنصب زيد وعمرو وتنوّن زيداً وعمراً وتجريه على الأصل. وكذلك هذا وأشباهه يردُّ إذا طال على الأصل كما ردّ ضارباً رجلاً. وأما كزيدٍ وبزيدٍ فحكايات لأنَّك لو أفردت الباء والكاف غيَّرتها ولم تثبت كما ثبتت من. وإن سمّيت رجلا عمَّ فأردت أن تحكي في الاستفهام تركته على حاله كما تدع أزيد وأزيد إذا أردت النداء. وإن اردت أن تجعله اسما قلت: عن ماءٍ لأنَّك جعلته اسما وتمد ماءً كما تركت تنوين سبعة لأنَّك تريد أن تجعله اسماً مفردا أضيف هذا إليه بمنزلة قولك: عن زيد. وهن ههنا مثلها مفردةً لأن المضاف في هذا بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية كم أنّ الألف واللام لا تجعلان الاسم حكاية وإنّما هو داخل في الاسم وبدل من التنوين فكأنه الألف واللام.
|